الحوار

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى للحوار الهادف بمفهوم جديد لامكان للمواضيع السطحيه


    مظفر النواب: مكاشفة شعرية

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 157
    تاريخ التسجيل : 18/07/2010
    العمر : 36

    مظفر النواب: مكاشفة شعرية Empty مظفر النواب: مكاشفة شعرية

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 14, 2011 4:19 am









    أحمد صلاح











    لم يكن أحد يعلم أن هذا الطفل الذي تعسرت ولادته، وكاد أن يُجْهَضَ في عام 1934 هو نفسه ذلك الشاعر الذي سيحفظ الكثيرون من المعجبين به أشعاره ويرددونها في كل محفل، بل إن جدَّه لما أحب أن يسميه مظفرًا لم يسمه مظفرًا اقتناعًا منه بقدرته على المجابهة، قدر اقتناعه أن هذا الطفل الصغير عانى الكثير ليولد!

    ولد مظفر النواب لأسرة ذات مستوًى اجتماعي عالٍ، دخل إلى الكتَّاب وهو في سن الثالثة، ثم إلى المدرسة في سن الرابعة، ظهرت إرهاصاته الشاعرة وهو في المدرسة، كان يحب الأوراق تقطيعًا وكتابة، وكان خجولًا في البداية إلا أنه تغلب على خجله فيما بعد.

    كانت أسرته تنتمي إلى موسى بن جعفر الصادق الذي مات بالسم، إذن هو شيعي بالوراثة. وكانت أسرته ثرية تحترم الفن وتقدر الموسيقى، لذا فقد بدأت موهبته الفطرية ـ كما أسلفنا الذهن ـ في الصف الابتدائي، عندما لاحظ مدرسوه قدرته على نظم الشعر وتذوقه، وهو ابن ثماني سنوات في الصف الثالث الابتدائي.

    بعد عام 1958حينما سقطت الملكية تم تعيينه مفتشًا فنيَّا في مدينة بغداد لوزارة التربية والتعليم، وبذلك صار قريبًا من الطلاب يشجعهم ويؤسس فيهم الفكر الأدبي.

    آمن بالمبادئ الشيوعية وصار مناصرًا لها، على الرغم من شيعيته التي أشرنا لها سابقًا، لذلك عندما اشتد الصراع بين القوميين والشيوعيين عام 1963 لم يتورع عن الانحياز للجانب الشيوعي، وبسبب ذلك تعرض للملاحقة والمطاردة. فهرب من البصرة إلى إيران محاولاً الوصول إلى روسيا عن طريق إيران، إلا أنّ المخابرات الإيرانية (السافاك) ألقت عليه القبض قبل أن ينجح في ذلك.

    تعرض لما يفوق احتمالات البشر من التعذيب والإهانة، حتى تم تسليمه في نهاية عام 1963 إلى الأمن السياسي العراقي؛ فحُكِم عليه بالإعدام، إلا أنّ مساعي أسرته استطاعت أن تتوسط له لتخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد، وقد هرب من السجن عن طريق نفق على طريقة فيلم الهروب الكبير، بشكلٍ دراماتيكي إلى أقصى حد، وظل هاربًا مختبئًا في الأهواز حتى عام 1969م، حين صدر العفو التام عن المعارضين، ولم يلبث أن اعتقل مرة أخرى ثم أطلق سراحه للمرة الثانية بعد وساطة من صالح السعدي.

    بعد ذلك قام بمغادرة بيروت إلى دمشق، وظل يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية إلى أن استقر في دمشق.

    أخيرًا يرقد مظفر النواب في بعض المستشفيات يعاني من مرضه الذي أقعده، وأبعده عن الساحة الشعرية، وهو على كل حال ممنوع من دخول العراق إلى الآن، وقد أعطت له سوريا الجنسية السورية بشيء من الفخر.[1]



    ثانيًا: فكره ومذهبه وأيدلوچيته:

    تتلخص أفكار مظفر النواب، ومذاهبه الشعرية والحياتية، وأيدلوچياته في كلمات ثلاث؛ شيعي، شيوعي، صوفي.

    المطلب الأول: شيعيته:

    هو شيعي رافضي، من الصنف الذين يرون أن الخلافة قد اغتصبت اغتصابًا من سيدنا عليّ، بل وربما رأوا أن الصحابة كلهم مخطئون متواطئون على تمريرِ الخلافة إلى أبي بكر ومن بعده إلى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين، وحجبِها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه... وإذا أمعنا النظرنا سنرى إلى أي مدى ظهر ذلك في شعره، وسنأخذ مثالًا على ذلك من قصيدة وتريات ليلية؛ يقول الشاعر:

    للخط الكوفي يتم صلاة الصبح

    بأفريز جوامعها

    لشوارعها

    للصبر

    لعلي يتوضأ بالسيف قبيل الفجر

    أنبيك عليا!

    ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف

    ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف

    ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية!

    يبين الشاعر إلى أي حد صرنا همجًا نتذلل وننسى السيف الذي رفعه سيدنا علي، وهو من وجهة نظره آخر المجاهدين الذين كانوا يتوضئون بالدماء التي يسيِّلها السيف، ولم يكن عندهم ذل أو خنوع، كما هو عند المعاصرين من الحكام في نظره.

    كما أن الاستشهاد السابق يحيل إلى أحداث الفتنة والحرب بين سيدنا الإمام على بن أبي طالب – رضي الله عنه- وسيدنا معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه-، وهو متأثر بتلك الرواية التي دَرَجَ نقدة التاريخ الإسلامي على وصفها بالضعف والبطلان –فهو شاعر ليس مؤرخًا- وهي تعليق جيوش الشام بقيادة سيدنا معاوية المصاحف على أسنة الرماح عندما بدأت جيوش سيدنا معاوية تميل مع هجمات سيدنا علي رضي الله عنهما؛ خوفًا من أن يستأصل سيدنا عليٌّ شأفة الشاميين، ولأن سيدنا عليًّا مسلمًا طيبًا فقد قبل بتحكيم كتاب الله، غير عالم بما سيحدث من فتنة تفرق بين الصفوف ومن تآمر من الجانب الدمشقي بقيادة معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.[2]

    لكن على الرغم من كل ذلك، ما الذي يجعلنا نجزم بشيعيته؟ نعم قد يقال: إنه رجل متأثر ببعض الدعايات الشيعية التي تتحدث عن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، بوصفهما رءوسًا للفتنة، وسببًا من أسباب تفرق الأمة، كبعض الكتاب المعاصرين الذين لا يتهمون بتشيع، ولا يعرفون الموالاة للشيعة...

    يضحد ذلك ما نراه بعد ذلك في الأبيات التالية:

    أما أنا فلا أخلع صاحبي

    في هذا الاستشهاد ثمة محرك للصورة الشعرية، وهي تحيل مباشرة إلى واقعة التحكيم بين سيدنا علي بن أبي طالب، وبين سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، ولعبة التحكيم المزعومة المكذوبة بين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري، وهذا كله لاستحضار هذه الواقعة التاريخية من أجل أن يُسْقِط صورة الفتنة على الواقع المعاش، وهو يُعلن صراحة عن مذهبه العقائدي، فهو شيعي رافضي ينتمي إلى الفرقة الاثني عشرية، وفي إعلانه عن شيعيته وظيفتان؛ الأولى تهيئة المتلقي لاستقبال رسالة تحمل بعض الأفكار الشيعية دون أن يجلس في كرسي الناقد، ويقف مفندًا الحجج ـ إن لم يكن شيعيًّا ـ والثاني: تعريف المتلقي بأن تلك العقيدة هي التي تحرك مبدعها.

    ماذا يقدح في الغيب؟

    أسيف علي؟؟

    قتلتنا الردة يا مولاي كما قتلتك بجرح في الغرة

    هذا رأس الثورة

    وهذي "البقعة" أكثر من يوم سباياك

    فيا لله وللحكام و رأس الثورة

    هل عرب أنتم!!!

    "و يزيد" على الشرفة يستعرض أعراض عراياكم

    ويوزعهن كلحم الضأن,

    ما زال الشاعر مصرًّا على التحدث عن مذهبه وفكره علانية بعدما مهد لكل ذلك من خلال ما سبق؛ فهو هنا شيعي يكره قتلة سيدنا علي رضي الله عنها كما يكرهها السنة، وهو كذلك يكره يزيد؛ حيث يتأثر بما يقوله عنه الشيعة من أنه كان سفَّاكًا للدماء، نسبة إلى قتل بعض قواده الحسين رضي الله عنه وعن أبيه في موقعة (كربلاء) الشهيرة، وهي التي يتخذها الشيعة رمزًا لمقدساتهم.

    "لأن ضريحك عاصمة الله فيه"..

    "ومن المسك للروح أجنحةٌ وفضاء..

    كأني أعلو ويجذبني أنْ ترابَك

    هيهات يعلى عليه..

    وبعض التراب سماء تضيء العقول..

    ليس ذا ذهبا ما أقبِّله..

    بل حيث قبل جدُك من وجنتيك..

    ودرَّ حليبُ البتول..

    لم يزل هِمَمًا للقتال ترابُك..

    أسمع هول السيوف..

    ويوشِك قفلُ ضريحك أن يتبلَّجَ عنك..

    أراك بكل المرايا على صهوة من ضياء..

    وتخرج منها, وأُذهل أنَّك أكثرُ منا حياةً..

    ألستَ الحسينَ بن فاطمةَ وعليٍّ؟ لماذا الذهول؟!

    ... لدى الرأس منك إمام الزمان, عهد...

    تطيل وقوفك ضد يزيد إلى الآن..

    لله ما بتاريخنا من مغول..

    وذرىً فيه ليس تطال

    وعنه انحدار السيول..

    إننا في زمان يزيد كثير الفروع

    وفي كل فرع كربلاء".

    إنّ صورة رأس الحسين وكربلاء، وكذلك إصراره على أن قفل الضريح يوشك أن يفتح من تلقاء ذاته لينتقم من الذين قتلوه، كل ذلك ألا يدل على تشيعه.. ويشير إلى مدى انشغاله عقلًا بمذهب أسلافه الأول من تقديس للحسين رضي الله عنه وتوجيه الحديث دائمًا وأبدًا إلى كربلاء التي قُتِل فيها.

    إن الحديث بنا يستفيض إذا أردنا التعريج بشكل شبه كامل على شيعيَّته الواضحة في قصائده، والبارزة في حواراته الكلامية أيضًا، ولكن نكتفي بهذا القدر وفي التلميح مندوحة عن التصريح.

    المطلب الثاني: شيوعية مظفر النواب وانتماؤه للمذهب الماركسي:

    لكي نكون منصفين يجب أن نفرق بين مذهب مظفر النواب الذي نشأ عليه، و المذهب الفكري الذي يعتقده؛ فهو من الجهة الأولى شيعي النشأة، ومن الناحية الثانية شيوعي الفكر ماركسي، وهو ذلك الفكر الذي يحارب الإسلام في صميمه، ومما يثير التعجب انتماؤه إلى مذهبين أحدهما مذهب ينتسب إلى الإسلام، ولكن من يتتبع قصائد مظفر النواب يجد أن له فكرًا خاصًّا بمسألة الانتماء إلى الشيوعية عن طريق المدخل الديني... وقد ظهر ذلك في أسلوبه الشعري، من ذلك قصيدة

    أنا أنتمي للمسيح المجدف فوق الصليب

    وقد جرح الخل وجه الإله على رئتيه

    وظل به أمل ويقاتل

    لمحمد شرط الدخول إلى مكة بالسلاح

    لعلي بغير شروط



    في الفقرة السابقة نرى إنسانًا غريبًا عن التقاليد الإسلامية، وهو ليس مظفر النواب الذي عهدناه يتكلم عن حق سيدنا علي في الخلافة وعن قتلة يزيد. هنا تغيرت نبرته تمامًا، وبدأ الخروج على المسلمات الواضحة –على ما بفكره من عوار- ليتضح من وراء كلامه مذهب فكري هو المذهب الشيوعي الأحمر الذي يجعل الدين قضية رسمية تناقش كأية قضية على الساحة الدولية؛ كقضية تولية فلان وعزل فلان، ونحن نعرف أن الدين والرسول من ثوابت العقيدة والفكر، والخروج عن هذه الثوابت ومحاولة الدلف إلى معطيات تقلل من تجربة سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أو تفضل عليه أحد صحابته –أيًّا كان هذا الصحابي وأيًّا كان شأنه- هي محاولة لتفسيخ الدين وضياع مهابته بين أفكار شيوعية شيطانية، وتوجهات حمراء.

    فمن أين يتسنى له ـ مع التسامح مع جزء كبير من قصائده ـ أن يقول: إنّ إيماني بمحمد بشرط أن يدخل مكة وهو حامل سلاحه، ومعنى ذلك أنه يرى أنه لا يؤمن بالنبي حين يدخل مكة حاجًّا غازيًا، لا يحمل سلاحه.. وهو ما فعله النبي أوَّلًا، نعم، نعترف أن مظفر النواب ربما خانه التعبير من أجل الفكرة، ولكن هذا إن دل على شيء دل على ثورته اللامحدودة على التقاليد المعروفة للدين الإسلامي..!

    ومن قبل قال الشاعر أمل دنقل:

    المجد للشيطان معبود الرياح

    من قال لا في وجه من قالوا نعم

    من علم الإنسان ميراث الندم

    من قال لا، فصار رمزًا للعناء وصار روحًا أبدية الألم.

    وقبله قال صلاح عبد الصبور:

    كان لي يومًا إله وملاذي كان بيته

    قال لي إن طريق الورد وعر وارتقيته

    وتلفت ورائي، وورائي ما وجدته

    ثم أصغيت لصوت الريح تبكي فبكيته...!

    فلماذا لم يرض النقاد بذلك، وعدوه من السقطات الشعرية، وأن شاعره أخطأ الرمز، ولو أراد فقط التطابق الشكلي، والرمزية التي يمكن إسقاطها على مساحات أوسع في الواقع المعاش..؟

    ليس هذا كل شيء، فربما قيل: إن مظفر النواب رجل شيعي متشدد زل لسانه فوقع فيما وقع فيه عن جهل وتخبط، وليس لفكره الشيوعي من دور، ولكن الرد يكون بذكر طرف من شهادته على نفسه شعرًا ونثرًا:

    (في أمسية احتفالية على شرف الشاعر مظفر النواب في مدينة كولون الألمانية يوم الأحد 9/11/2008, أقامها الديوان الشرقي الغربي ضمن برنامجه الثقافي, حضر جمهور عراقي... بدأت الأمسية ترحيبًا بالشاعر مظفر النواب من قبل السيدة آيار باسم الديوان الشرقي الغربي.

    بسبب الحالة الصحية صعب على النواب أن يشارك في قراءات شعرية من نتاجه الكبير, لكنه قبل أن يضطر الى المغادرة لم يتردد في تحية الجمهور بقصيدة عبر بها عن حبه لهم, قائلا أنه عندما يذهب الى أمسية شعرية فإنه يذهب إلى عرس حقيقي, ووعد الحضور عندما تتحسن حالته الصحية لن يبخل على جمهوره بأمسيات شعرية, حينها استغل الإعلامي ملهم الملائكة وتقرب من الشاعر مظفر النواب بهدوء مراعيا حالته الصحية ليطرح سؤاله, هل أنت شيوعي؟؟

    يجيب النواب دون أخذ وقت للتفكير: نعم أنا شيوعي. فانطلق التصفيق في القاعة من كل جانب.

    يكمل النواب مستذكرًا, عندما كتبت قصيدة الريل وحمد لم أنشرها, وقد فوجئت وأنا في الأمانة (باص النقل في بغداد) بمدينة الأعظمية التي كان سكانها يعتدون على الشيوعيين ويحرمون عليهم دخولها, كان يجلس أمامه شابَّان يحملان جريدة منشورًا بها قصيدة الريل وحمد, يقول أحدهما للآخر: انظر هذه القصيدة كم هي جميلة, فيجيب الآخر بعد قراءتها, إنها فعلا قصيدة جميلة, فيضيف الأول لكن الشاعر (شيوعي كلب ابن كلب), تعالت الضحكات بين ساخر من الكره الذي يحمله هؤلاء, وآخر خجل لأن الفكرة في داخله.

    أبعد هذا شك في شيوعيته..؟

    لقد ظهر أثر ذلك في شعره، في الخروج عن أسس البناء الفطري والوجداني في مخاطبة الذات وفي مناجاة الرب والاعتداء على حرمات الدين:

    تشكيلة وجهك تزعجني

    عفوا لا أقصد جرحك في شيء

    هل ظل هنالك ما يجرح فيك

    ولكن خطأ في خطأ تشكيلة وجهك

    يا رب لماذا الأخطاء

    أنت مصر يا سيد تزعجني

    يا سْيدي ... في جُبّتك الخوف أمان

    يتلفّع "نصر الله" إذا جاء

    بآيات القرآن

    هذا الفتح الـــ ... من عند الله ومن "مارون الراس"

    لا من عند "الأمريكان"

    فسبح بحمد ربك

    واستغفره

    إن استخدامه لآيات القرآن عند تمضينها يفضي إلى نوع من الخروج –ليس الخروج عن المألوف فحسب- بل هو الخروج عن قواعد الأدب الحقيقي، والشرع الحنيف؛ فالشاعر يخرج عن السياق القرآني ليسقطه على موضوعات بعيدة كثيرًا عنه، كما أن الشاعر يخاطب الرب قائلًا: لماذا هذه الأخطاء، ولسنا نفهم ما الأخطاء التي يقصدها، وأغلب الظن إنه نوع من الشطح الشيوعي المعروف في مخاطبة الرب، كما قال قبله شيوعي فاشل:

    والرب يزغط البط

    وبعد ذلك يقول مظفر النواب:

    حاشى قدرك يا رب رؤوس الأموال

    فنحن النجس الشرقي تراب أتفه من أي تراب

    نحمل جثتنا عربونا لصداقتكم

    أبطأ..أبطأ.. إن البند الثالث سوف يطل من الشرفة

    سبحان البند الثالث

    سبحان جلاسكو

    سبحان وفاق الدبين

    لا شك إذن أن مظفر النواب شيوعي يطرحه هذا التيار في ماء آسن بعيدًا عن الموجات التي يقصدها.

    المطلب الثالث: مظفر النواب شاعر صوفي الشطحات:

    لم تكن الصوفية أبرز الأوجه التي استخدمها مظفر النواب، ولكنها –على كل حال- كانت وجهًا بارزًا في أشعاره، وإقرارًا للحق، لسنا نحن أول من لاحظ ذلك، فمن يتأمل ديوانه بنظرة ثاقبة، ويتابع أعماله الشعرية يعرف أن الفكر الصوفي والمكاشفات والمشاهدات واتحاد الذات بل والشطحات وما تبع ذلك من خرافات تحتل جزءًا لا يستهان به من أعمال مظفر النواب، وسنعدد ما يعضد موضوعنا هذا من الآراء حول صوفيته التي نزعمها:

    أ‌- إن الشعر عند مظفر النواب –كما يقول د. شوقي بزيع- (مترع بالصور الكثيرة التي تنطبع في ذهن المستمع كما لو أنه أمام شاشة سينمائية، وهذا البعد التصويري في شعره كان متصلًا بالمحسوس والأيروتيكي من مثل: (وشجيرات البر تفوح بدفء مراهقة بدوية / يكتظ حليب اللوز ويقطر في الليل). وغيرها من الصور المماثلة التي يمكن للمستمع أن يحفظها بسهولة، وأعتقد أن مثل هذه اللقى النوابية مضافًا إليها البعد الصوفي في شعره وما يستتبعه من خمريات وشطحات وصفية، هي ما يمكن أن يوفر لمظفر قدرة نسبية على مقاومة النسيان أو مخاتلة الزمن).[3]

    ب‌- يروي لنا أستاذ جهاد علاونه: (وقد ابتدأ الشاعر مظفر النواب أمسيته بعبارات صوفية مبتذلة جدًّا عن الله ونخل العراق ودجلة والفرات، ولم يكن أسلوبه أسلوبًا مباشرًا لقلوب الجماهير حتى إنني لاحظت أن الناس كانت تصفق له فقط في الفترة التي يتوقف بها عن الكلام وكانت حركاته الإيحائية تعبر فقط عن إنسان عادي ومأزوم نفسيا وثقافيًا).[4]

    ج- ومن أشعاره التي يشير فيها إلى الشعر الصوفي والأغاني الصوفية:

    كيف اندسَّ كزهرة لوزٍ

    بكتاب أغانٍ صوفية!؟

    كيف اندسَّ هناك،

    على الغفلة مني

    هذا العذب الوحشي الملتهب اللفات

    هروبا ومخاوف

    د- لقد برز المذهب الصوفي كثيرًا في مسألة وحدة الوجود، وتراسل الحواس، فالشاعر يرى أن كل وظائف الجسد تؤدي غاية واحدة، أو على أقل تقدير بعض هذه الوظائف يحل محل بعضها الآخر، كما سنرى عند ذكر تراسل الحواس عنده.

    هـ- ترى د. أحلام يحيى: أن الشاعر المعاصر (يتصوف حزنًا وغربة، مستعيدًا آلام الصوفيين وغربتهم ولكن بشكل واقعي جديد. فيتصوف النواب والبياتي ومحمود درويش ونزار قباني لما في هذا العصر من آلام وهموم ليهربوا من واقع مادي واجتماعي وسياسي مأزوم، ليبحثوا عن عالم أكثر روحانية ونقاء وطهرًا.. والنواب اجتمعت في حياته ومسيرته كل أسباب القهر لينمو صبًّا بمحبته رافضًا الذل والسجن باحثًا عن حريته وحرية الفقراء، حزينًا للوجع العربي الكربلائي المتكرر).[5]

    من هنا نستطيع أن نقول: إن ثمة محاور ثلاثة تتحكم في النظرة الشعرية لديوان مظفر النواب، يتحرك الخطاب الشعري في اتجاهها، وهي كونه شاعرًا شيعيَّ المذهب التديني، ماركسي المذهب الفكري، صوفي الشطحات والخيال!



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] تم الاعتماد –عند ذكر حياة مظفر النواب- على مقدمة ديوانه، طبعة الأوديسا، وعلى مقدمة كتاب مظفر النواب سجين الغربة والاغتراب دراسة نقدية وحوار، أحلام يحيى، دار نينوى.

    [2] كثير من المؤرخين المعاصرين قد أنكروا حادثة رفع المصاحف على أسنة الرماح وبالتالي أنكروا حادثة التحكيم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الثورة على سيدنا عثمان بن عفان ، دار البلاغ، الجزائر ، 2003 . و قضية التحكيم في موقعة صفين - بين الحقائق و الأباطيل -، دار البلاغ ، الجزائر ، 2002 . أخطاء ابن خلدون في كتابه المقدمة -دراسة نقدية تحليلية هادفة- الدكتور:خالد كبير علال، حاصل على دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة الجزائر- دار الإمام مالك الطبعة الأولى،-البليدة- الجزائر- -1426ه/2005م-، وتاريخ الدولة الأموية للدكتور الصلابي.

    [3] مظفر النواب في ميزان الزمن، شوفي بزيع، الحوار المتمدن - العدد: 2801 - 2009 / 10 / 16

    [4] الحوار المتمدن - العدد: 2029 - 2007 / 9 / 5، جهاد علاونه.

    [5] مظفر النواب سجين الغربة والاغتراب، دراسة نقدية وحوار. د. أحلام يحيى، مرجع سابق، ص328

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 1:08 am