د. علي الحمادي
يذكر لنا التاريخ أن الحسن البصري وقف بين يدي عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فعرَّف الخليفة العادل وقال له: "الخليفة العادل يا أمير المؤمنين قِوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوّة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، وهو الراعي الشفيق على إبله، والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مواقع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والضرر، وهو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملّكك الله كعبد ائتمنه سيّدُه واستحفظه ماله وعياله، فبدّد المال، وشرّد العيال، فأفقر أهلَه، وأهلك مالَه".
وعندما انطلقت الثورة الفرنسية رفعت مجموعة من المبادئ، ودعت الناس إلى ثلاث قيم رئيسة وهي: الحرية والمساواة والإخاء، فبلغت الآفاق، وأثَّرت على أوروبا كلها، وثار الناس على الظلم، وصنعت حياة أخرى في واقع الأوروبيين، وتركت بصماتها في التاريخ، ولايزال الناس حتى يومنا هذا يتكلمون عنها وعن دورها في الحياة.
نعم.. يخطئ من يظن يومًا أن حاجة الناس تنحصر في لقمة عيش أو شربة ماء، فالواقع يثبت كل يوم أن الناس يحتاجون مزيدًا من الكرامة والحرية والعدالة والمشاركة السياسية.
إن الاعتداء على الإنسان في حقوقه وكرامته وحريّته وإنسانيّته ومطالبه المشروعة، والتعامل معه كتابع ذليل، أو كبهيمة لا تفهم، أو كسلعة تُباع وتُشترى، هو أمر مهين رفضه الأحرار في العالم منذ زمن بعيد، ولم يعد يقبله أحد، لاسيما في زمن الإنترنت والفيسبوك والتويتر.
كما أن الحاجة إلى الطعام والشراب قد يصبر عنها الناس إذا وجدوا أنه قد تم تلبية حاجاتهم الرئيسة الأخرى، وخاصة الحاجة إلى الكرامة والحرية والعدالة، وإلاّ فلماذا لم يثر الفلسطينيون من أهل غزة على حماس، ولم يطالبوا بإسقاط حكمها، على الرغم من أنهم يعانون من الحصار الصهيوني والجوع والفقر الشديد وقلّة الإمكانات، بل ومنهم من يبيت في العراء؟!
الإجابة على ذلك بدهية، وهي أن هذه الحكومة لم تعتدِ على شعبها بالقمع والكبت والإيذاء والتضييق الأمني وخنق الحريات، ولم تكن سجونها مفتوحة لأصحاب الرأي المخالف، ولم يسكن أفرادها القصور بينما الناس يسكنون القبور، ولم تأكل التفاح بينما شعبها يتجرع الجراح، ولم تتكبر على أن تعترف بالخطأ إذا وقع منها، بل وتحاسب القائمين عليه، فقد كانت من الشعب تعيش آلامه وجراحه ومعاناته، وتدفع قبل شعبها ضريبة الصمود من أبنائها شهداء في سبيل الله.
كم نتمنى من الرؤساء العرب أن يقفوا وِقْفات جادّة مع أنفسهم، وأن يتأمّلوا كتاب ربهم وسنة رسولهم، وأن يقرؤوا سيرة الخلفاء الراشدين والحكام العادلين، وأن يتخلّصوا من بطانة السوء التي لا يأتي من ورائها إلاّ كلّ شرٍّ وسوء، وأن لا يستمعوا إلى من يجعلهم معزولين عن شعوبهم، خائفين حتى من أقرب الناس إلى أنفسهم، وأن يقوموا بإصلاحات حقيقية ترضي ربهم وترضي كذلك شعوبهم، وذلك قبل فوات الأوان.
وصدق أخو هوازن حين قال:
أمرْتُهُمُ أمري بمنعرجِ اللّوى فلم يستبينوا النصحَ إلاّ ضُحى الغدِ